اشهدت العقود الاخيرة من القرن الماضي ملامح ظهور ونهوض قوى جديدة على المسرح العالمي سياسياً واقتصادياً وعسكرياً ستؤدي الى حدوث تغييرات هامة في هذا المسرح خصوصاً مع تزايد الدعوات لانهاء هيمنة القطب الواحد عليه ( أمريكا)
الذي فقد المصداقية والوثوق به خلال العقد الأخير من القرن الماضي وسنوات العقد الأول من القرن الحالي وذلك بسبب سياساته العدائية التي طالت اصدقاءه قبل اعدائه وفي هذا الاطار يؤكد الباحثون انه اذا كان القرن الحادي والعشرون هو القرن الامريكي فإنه سيكون القرن المناسب لبعض دول العالم النامية كي تصبح قوة فاعلة على الساحة الدولية .
حيث يشير الباحثون والمختصون ان آسيا ستكون مسرح التغيير العالمي اقتصادياً وصناعياً وسياسياً وعسكرياً كونها شهدت في سبعينيات القرن الماضي ظهور عدة قوى أخذت ثقلها ومكانتها على الصعيد العالمي وهي الهند والصين.
فما هي عوامل قوة هذين البلدين وماهي التحديات التي تواجهما...؟!
تؤكد مراكز الدراسات ان الاقتصاد الهندي متخلف عن الاقتصاد الصيني بكل المقاييس والمعايير في الناتج القومي وكمية الاستثمارات الأجنبية وان درجة النمو في الهند تتأخر عن الصين بحوالي عشرين بالمئة خلال السنوات الأخيرة والتي تقلصت الى أقل من ذلك خلال الفترة الماضية.
وهناك عدة عوامل تؤثر في قوة اقتصاد البلدين وفي مقدمتها وبالمقارنة:
تزايد عدد الأشخاص الذين هم في سن العمل بشكل جيد خلال العقدين الاوليين من القرن الحالي وهذا العدد سيتناقص في الصين بسرعة بسبب سياسة الولد الواحد.
الهند أقل تأثراً بعدم الاستقرار السياسي بينما الصين تواجه التحدي المستمر لانهاء الخلاف المتزايد بين سكان المدينة وبقية الطبقات المتوسطة .
تمتلك الهند اسواق عمل في بعض قطاعات الصناعات ذات التكنولوجيا العالمية بينما تفتقر الصين ذلك.
على الرغم من معدلات النمو التي حققها الاقتصاد الهندي إلا أنه يعاني من عدة اعباء منها : البيروقراطية التي جعلت من اقتصاد الهند خارج محط أنظار الاستثمارات الأجنبية كما أنها تواجه تحديات اجتماعية صعبة ومن الأعباء التي تواجه الهند على الرغم من وضع اقدامها على عتبة الاصلاح وجود أكبر نسبة من السكان الذين يعانون من الفقر الشديد والتوتر الاثني والطائفي ونشوء الاحزاب ذات السياسات الاقليمية ووضع البرامج الحكومية التي تستهدف الاقليات .
أما العوامل التي يمكن ان تضعف امكانيات التطور الاقتصادي الصيني والتي تعتبر من المخاطر عليه:
ضعف النظام المالي والمشاريع التي تملكها الدولة والموارد المائية والتقلص المحتمل للاستثمارات الاجنبية واستهلاك الطاقة والأسعار والنزاع مع تايوان.
ومن التحديات المشتركة للاقتصاديين الايدز السائد الذي يمكن ان يؤثر بشكل جدي على امكانيات الاقتصاد في البلدين وتحديداً الصين والاضطرابات وعدم الاستقرار الاجتماعي كما أن ظهور قوى جديدة على المسرح العالمي كروسيا والبرازيل وافريقيا الجنوبية واندونيسيا سيكون له تأثير على الدور السياسي لهاتين الدولتين , كما أن مصادر الطاقة والحاجة المتزايدة لها من التحديات المشتركة بينهما .
و على الرغم من حاجة الهند الى جهود لتحقيق التسارع في معدلات النمو الاقتصادي للوصول الى ما وصلت إليه الصين في هذا المجال خصوصاً في العقد الأخير فإن عدم مقدرة هذه الاخيرة الحفاظ على نسبة تفوقها في معدلات النمو قد تكون في خطر أكثر مما يتعرض له الاقتصاد الهندي خصوصاً إذا ما تباطأ الاقتصاد الصيني عدة نقاط مئوية وهذا سيجعل من الاقتصاد الهندي أسرع اقتصاد متطور في العالم.
دور القوى العالمية والاقليمية
تسعى الهند لدعم التعاون الاقليمي مع الغرب والانضمام الى منظمة التجارة العالمية لاسباب استراتيجية ولرغبة في زيادة قوتها كما أن حكومات جنوب شرق آسيا تسعى للاقتراب من الهند ومساعدتها وذلك بهدف انشاء موازنة جيوسياسية ممكنة مع الصين .
بدورها تسعى الصين للحصول على مكانة القوى العظمى في العالم من خلال قوتها الاقتصادية الاكبر بين دول آسيا بالاضافة الى خطواتها الحثيثة لتقوية جيشها وقوتها العسكرية وهذا مايدفع دول شرقي آسيا للتكيف مع الصين القوية من خلال اقامة أوثق الروابط الاقتصادية والسياسية معها.
حالات متشابهة بين اقتصاد الدولتين :
يؤكد الخبراء ان تراجع الاقتصاد الصيني سيؤدي الى اضعاف الاستقرار الاقليمي مما سيؤدي الى تضاعف احتمالات هذا الاستقرار وزيادة الجريمة وتجارة المخدرات والهجرة غير الشرعية كما يمكن للنكسات الاقتصادية وأزمات الثقة ان تبطئ من ظهور الصين كقوة عظمى كاملة .
كما يؤكد الخبراء ان الهند قد تتغير كالصين تماماً حيث تعاني من تقلبات سياسية وتجارية كما سيشهد الضغط على مواردها مثل الأرض والماء ومخزون الطاقة حيث ستواجه الهند خيارات معقدة متشعبة بسبب تزايد عدد سكانها وزيادة تلوث مياهها السطحية والجوفية وانتشار الفقر .
وماذا عن القارة العجوز , هل ستصبح قوى عظمى ..؟
يؤكد الخبراء انه سيكون لاوروبا الموسعة القدرة على زيادة ثقلها في المسرح العالمي وفق كافة المعايير حيث هناك سوق بحجم واسع وعملة موحدة وقوى عاملة تمتاز بالمهارة والدقة العالية واستقرار سياسي وحكومي وكتلة تجارية كبيرة واجمالي ناتج قومي.
كما ان التنوع المتزايد لسكان هذه القارة بعد انضمام اعضاء جدد لها وموقعها الجغرافي الاستراتيجي يجعل منها قوة متميزة على طريق اقامة روابط متينة وقوية باتجاه الجنوب ( العرب والافارقة) ومع الشرق ( روسيا وآسيا ) ونفوذ اوروبا على المسرح الدولي يعتمد على امكانياتها وقدرتها على تحقيق تماسك سياسي موحد أكبر بعد انضمام اعضاء جدد لها في السنوات الاخيرة والذي يمكن ان يشكل عائقاً في عمل مؤسسات الاتحاد الاوروبي ومن العوائق التي يجب العمل على حلها منها ايجاد آلية لدمج المهاجرين وخفض الانفاق الدفاعي في كل بلد علما ان اجمالي الانفاق في هذا المجال لكافة دول الاتحاد يأتي في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة الامريكية ومن العوائق تلك التي يطلق عليها عقبات تاريخية فما زالت تشكيل جيش اوروبي بدون حل وقدرة القوات الاوروبية على احداث تغيير جذري مازالت محدودة إلا أن الشيء الذي يميز الاتحاد الاوروبي انه نموذجاً للحكومة الاقليمية.
كما أن معدل الشيخوخة السكانية وتقلص القوى العاملة في معظم دول الاتحاد سيكون عائقاً امام قوة الاوروبيين حيث سيؤدي الى تحد سياسي واقتصادي خطير مع امكانية تجاوزه .
ويبقى ان نشير الى رأي أهل الخبرة بشأن دور اوروبا العالمي الذي يعتمد حسب رأيهم بشكل كبير على ما ستقوم به من اصلاحات اقتصادية واجتماعية وبنيوية لمعالجة مشكلات القوى العاملة الآيلة الى الشيخوخة فيها حيث الواقع الديموغرافي فيها يحتاج الى مقاربة متقنة متعددة الابعاد تشمل :
مزيداً من الهجرة الشرعية واندماج أفضل للعمالة القادمة من الخارج اما اغلاق الابواب بوجه الهجرة الشرعية سيؤدي الى هجرة غير شرعية وهذا سيؤدي الى صعوبة دمجهم مما يؤدي الى مشكلة طويلة الأمد كما يعتمد دورها العالمي على ايجاد مرونة أكثر في مواقع العمل وايجاد الحلول للرفاه الحالي غير الدائم خصوصاً مع افتقار هذه الدول لخطط من أجل انعاش الاقتصاد.
كما على الاوروبيين ايجاد حل لمعدلات النمو الآخذة بالانخفاض بسبب بعض الاقتصاديات والقوانين الصارمة في مجال العمل .
وفي هذا الاطار فإن عدم تطبيق الاوروبيين لبعض الاصلاحات سيؤدي الى مزيد من المعاناة والتباطؤ الاجمالي وهذا سيدفع بالدول كل على حدة لسلك الطريق الخاص بها بمفردها خصوصاً فيما يتعلق بالسياسة الخارجية حتى وان ظلت عضواً في هذا الاتحاد وهذا الاحتمال قد يؤدي الى توقف توسيع الاتحاد الأوروبي.
كما أن هناك حاجة الى نمو اقتصادي واصلاح اجتماعي واصلاح لنظام الرفاه الاجتماعي وعلى الاوروبيين الاقرار في عملية صنع القرار المعقدة التي تعيق العمل الجماعي .
الرئيسية 
